فصل: تفسير الآيات (1- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الثعلبي



.سورة الحديد:

مدنية وهي ألفان وأربعمائة وستة وسبعون حرفاً وخمسمائة وأربع وأربعون كلمة وتسع وعشرون آية.
أخبرنا أبو الحسين المقرئ، حدّثنا أبو بكر الإسماعيلي، حدّثنا وأبو الشيخ الأصفهاني قالا، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن شريك، حدّثنا أحمد بن يونس اليربوعي، حدّثنا سلام بن سليم المدايني، حدّثنا هارون بن كثير، حدّثنا زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي أمامة، عن أُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسوله».
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 8):

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)}
{سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم * لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الأول والآخر والظاهر والباطن} يعني {هُوَ الأول} قبل كل شيء بِلا حَد ولا ابتداء، كان هو ولا شيء موجود {والآخر} بعد فناء كل شيء {والظاهر} الغالب العالي على كل شيء، وكل شيء دونه {والباطن} العالم بكل شيء، فلا أحد أعلم منه.
وهذا معنى قول ابن عباس.
وقال ابن عمر: الأول بالخلق والآخر بالرزق، والظاهر بالاحياء والباطن بالإماتة.
وقال الضحّاك: هو الذي أول الأول وآخر الاخر، وأظهر الظاهر وأبطن الباطن.
مقاتل بن حيان: هو الأول بلا تأويل أحد، والآخر بلا تأخير أحد والظاهر بلا إظهار أحد والباطن بلا إبطان أحد.
وقال يمان: هو الأول القديم، والآخر الرحيم، والظاهر الحليم، والباطن العليم.
وقال محمد بن الفضل: الأول ببرّه والآخر بعفوه، والظاهر بإحسانه والباطن بسرّه.
وقال أبو بكر الوراق: هو الأول بالأزلية والآخر بالأبدية، والظاهر بالأحدية والباطن بالصمدية.
عبد العزيز بن يحيى: هذه الواوات مقحمة والمعنى: هو الأول الآخر الظاهر الباطن، لأن من كان منا أولا لا يكون آخراً، ومن كان ظاهراً لا يكون باطناً.
وقال الحسين بن الفضل: هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا إنتهاء، والظاهر بلا إقتراب، والباطن بلا إحتجاب.
وقال القناد: الأول السابق إلى فعل الخير والمتقدم على كل محسن إلى فعل الإحسان، والآخر الباقي بعد فقد الخلق، والخاتم بفعل الإحسان، والظاهر الغالب لكل أحد، ومن ظهر على شيء فقد غلبه، والظاهر أيضاً: الذي يعلم الظواهر ويشرف على السرائر، والظاهر أيضاً: ظهر للعقول بالإعلام وظهر للأرواح باليقين وإن خفي على أعين الناظرين، والباطن الذي عرف المغيّبات وأشرف على المستترات، والباطن أيضاً: الذي خفي عن الظواهر فلم يدرك إلاّ بالسرائر.
وقال السدي: الأول ببرّه إذ عرّفك توحيده، والآخر بجوده إذ عرّفك التوبة على ما جنيت، والظاهر بتوفيقه إذ وفقك للسجود له، والباطن بستره إذ عصيته فستر عليك.
وقال ابن عطاء: الأول بكشف أحوال الدنيا حتى لا يرغبوا فيها، والآخر بكشف أحوال العقبى حتى لا يشكّوا فيها، والظاهر على قلوب أوليائه حتى يعرفوه، والباطن عن قلوب أعدائه حتى ينكروه.
وقيل: الأول قبل كل معلوم، والآخر بعد كل مختوم، والظاهر فوق كل مرسوم، والباطن محيط بكل مكتوم.
وقيل هو الأول بإحاطة علمه بذنوبنا قبل وجود ذنوبنا، والآخر بسترها علينا في عقبانا، والظاهر بحفظه إيانا في دنيانا، والباطن بتصفية أسرارنا وتنقية أذكارنا.
وقيل: هو الأول بالتكوين، بيانه قوله: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82] والآخر بالتلقين، بيانه قوله: {يُثَبِّتُ الله الذين آمَنُواْ}
[إبراهيم: 27] الآية.
والظاهر بالتبيين بيانه {يُرِيدُ الله لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26] والباطن بالتزيين بيانه {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 7].
وقال محمد بن علي الترمذي: الأول بالتأليف والآخر بالتكليف والظاهر بالتصريف، والباطن بالتعريف.
قال الجنيد: هو الأول بشرح القلوب، والآخر بغفران الذنوب، والظاهر بكشف الكروب، والباطن بعلم الغيوب.
وسأل عمر كعباً عن هذه الآية فقال: معناها أن علمه بالأول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن.
وقيل: هو الأول بالهيبة والسلطان، والآخر بالرحمة والاحسان، والظاهر بالحجة والبرهان، والباطن بالعصمة والامتنان.
وقيل: هو الأول بالعطاء، والآخر بالجزاء، والظاهر بالثناء، والباطن بالوفاء.
وقيل: هو الأول بالبرّ والكرم، والآخر بنحلة القسم، والظاهر باسباغ النعم، والباطن بدفع النقم.
وقيل: هو الأول بالهداية، والآخر بالكفاية، والظاهر بالولاية، والباطن بالرعاية.
وقيل: هو الأول بالانعام، والآخر بالاتمام، والظاهر بالاكرام، والباطن بالالهام.
وقيل: هو الأول بتسمية الأسماء، والآخر بتكملة النعماء، والظاهر بتسوية الأعضاء، والباطن بصرف الأهواء.
وقيل: هو الأول بإنشاء الخلائق، والآخر بافناء الخلائق، والظاهر باظهار الحقائق، والباطن بعلم الدقائق.
وقال الواسطي: لم يدع للخلق نفساً بعد ما أخبر عن نفسه أنه الأول والآخر والظاهر والباطن.
وسمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت الشبلي يقول: في هذه الآية أشياء ساقطة فإني أول آخر ظاهر باطن.
{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أخبرنا شعيب بن محمد أخبرنا مكي بن عبدان أخبرنا أحمد بن الأزهر حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال: «هل تدرون ما هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «هذا العنان هذا روايا الأرض يسوقه الله عزّوجل إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه».
ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإنها الرقيع موج مكفوف وسقف محفوظ».
قال: «فكم تدرون بينكم وبينها؟».
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإن بينكم وبينها مسيرة خمسمائة سنة».
قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟».
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإن فوقها سماء أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة» حتى عدّد سبع سماوات بين كل سماءين مسيرة خمسمائة سنة.
ثم قال: «هل تدرون ما فوق ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء السابعة مثلما بين سماءين».
ثم قال: «هل تدرون ما الذي تحتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإنها الأرض».
قال: «فهل تدرون ما تحتها؟» قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: «فإن تحتها أرضاً أخرى وبينهما مسيرة خمسمائة سنة حتى عدّد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة»، ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السابعة السفلى لهبط على الله «ثم قرأ {هُوَ الأول والآخر والظاهر والباطن وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}».
ومعناه بالعلم والقدرة والخلق والملك.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أبا مكي، أخبرنا أحمد بن منصور المروزي، حدّثنا علي ابن الحسن، حدّثنا أبو حمزة عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: دخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته خادماً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على ماهو خير لك من ذلك أن تقولي: اللهم رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء منزل التوراة والإنجيل والفرقان، فالق الحب والنوى أعوذ بك من شر كل شيء أنت أخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنّا الدين وأغننا من الفقر».
{هُوَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش} أخبرني ابن فنجويه، حدّثنا عمر بن الخطاب، حدّثنا عبد الله بن الفضل حدّثني أحمد بن وركان، حدّثنا علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبدالله بن المبارك: كيف نعرف ربنا عزّوجل؟ قال: في السماء السابعة على عرشه، ولا تقول كما قالت الجهمية: ههنا في الأرض.
وقد ذكرنا معنى الاستواء وحققنا الكلام فيه فأغنى عن الإعادة.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرض وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ} بالعلم والقدرة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَّهُ مُلْكُ السماوات والأرض وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور * يُولِجُ الليل فِي النهار وَيُولِجُ النهار فِي الليل وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور * آمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} مملّكين، معمرين فيه {فالذين آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ * وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ بالله والرسول يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} في ظهر آدم بان الله ربكم لا إله لكم سواه. قاله مجاهد.
وقيل: {أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} بأن ركّب فيكم العقول وأقام الحجج والدلائل التي تدعو إلى متابعة الرسول.
وقراءة العامة: بفتح الهمزة والقاف.
وقرأ أبو عمرو بضمّهما على وجه ما لم يسمى فاعله. {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} يوماً من الأيام، فالآن أحرى الأوقات أن تؤمنوا لقيام الحجج والأعلام على حقيقة الإسلام وصحة نبوة المصطفى عليه السلام.

.تفسير الآيات (9- 11):

{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)}
{هُوَ الذي يُنَزِّلُ على عَبْدِهِ} محمد صلى الله عليه وسلم {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُمْ} الله بالقرآن، وقيل: ليخرجكم الرسول بالدعوة {مِّنَ الظلمات إِلَى النور وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
{وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض} ثم بيّن سبحانه فضل السابقين في الانفاق والجهاد فقال عزّ من قائل {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الفتح} يعني: فتح مكة في قول أكثر المفسرين.
وقال الشعبي: هو صلح الحديبية قال: وقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أفتح هو؟ قال: «نعم عظيم» وقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {أولئك أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} أي من بعد الفتح {وَقَاتَلُواْ}.
أخبرني عقيل أن المعافى أخبرهم عن محمد بن جرير حدّثني ابن البرقي، حدّثنا ابن أبي مريم أخبرنا محمد بن جعفر أخبرني زيد بن أسلم عن أبي سعيد التمار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم». قال: من هم يا رسول الله؟قريش.
قال: «لا هم أرق أفئدة وألين قلوباً» وأشار بيده إلى اليمن فقال: «هم أهل اليمن، ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية» فقلنا: يا رسول الله هم خير منّا؟ قال: «والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه» ثم جمع أصابعه ومدَّ خنصره فقال: «ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل».
وروى محمد بن الفضل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي هذه الآية دلالة واضحة وحجة بيّنة على فضل أبي بكر بتقديمه لأنه أول من أسلم.
أخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أحمد بن إسحاق الفقيه أخبرنا محمد بن أيوب، أخبرنا أبو الوليد الطيالسي، حدّثنا عكرمة بن عماد، حدّثنا شداد بن عبد الله أبو عمار وقد كان أدرك نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال أبو امامة لعمرو بن عبسة بأي شيء تدّعي أنك ربع الإسلام؟ قال: إني كنت أرى الناس على الضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً، ثم سمعت عن رجل يخبرنا أخبار مكة فركبت راحلتي حتى قدمت عليه، فإذا قومه عليه جرآء قال: قلت: ما أنت؟
قال: «أنا نبي». قلت: وما نبي؟ قال: «رسول الله».
قلت: بأي شيء أرسلك؟ قال: «أوحد الله ولا أشرك به شيئاً وكسر الأوثان وصلة الأرحام».
قلت: من معك على هذا؟ قال: حرّ وعبد. وإذا معه أبو بكر وبلال، فأسلمت عند ذلك فلقد رأيتني ربع الإسلام.
ولأنه أول من أظهر الإسلام:
أخبرنا أبو محمد الأصبهاني، أخبرنا أبو بكر الصعي، أخبرنا عبدالله بن احمد بن حنبل، أخبرنا أبي، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، حدّثنا زائدة عن عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله ابن مسعود قال: كان أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمار وأُمّه سمية وصهيب وبلال والمقداد.
ولأنه أول من قاتل على الإسلام:
أخبرنا أبو نصر النعمان بن محمد الجرجاني بها، أخبرنا أبو الطاهر محمد بن الحسن المحمدآبادي وحدّثنا أبو قلابة، حدّثنا يحيى بن أبي كثير، حدّثنا زائدة عن عاصم عن زر عن عبدالله بن مسعود قال: أول من أظهر الإسلام بسيفه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه. ولأنه أول من أنفق على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله.
أخبرنا عبدالله بن حامد، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب، أخبرنا محمد بن يونس، حدّثنا العلا بن عمرو الشيباني، حدّثنا أبو إسحاق الفزاري، حدّثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلّلها في صدره بخلال فقال: «أنفق ماله عليَّ قبل الفتح». قال: فإن الله عزّوجل يقول: إقرأ عليه السلام وتقول له: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟
فقال أبو بكر: أأسخط؟ إني عن ربي راض إني عن ربي راض.
ولهذا قدّمه الصحابة على أنفسهم وأقروا له بالتقدم والسّبق.
وأخبرنا عبد الله بن حامد، أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا محمد بن يونس عقبة بن سنان، حدّثنا أبو بشر، حدّثنا الهيصم بن شداخ عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن عبدالله بن سلمة عن علي رضي الله عنه قال: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى أبو بكر وثلث عمر فلا أُوتي برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته جلد المفتري وطرح الشهادة.
{وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.